سيناريوهات ما بعد الفشل في تشكيل الحكومة

إسرائيل على مفترق طرق بفعل تعقيدات النظام السياسي

  • إسرائيل على مفترق طرق بفعل تعقيدات النظام السياسي

اخرى قبل 5 سنة

إسرائيل على مفترق طرق بفعل تعقيدات النظام السياسي

سيناريوهات ما بعد الفشل في تشكيل الحكومة

 

تتجه إسرائيل إلى إجراء انتخابات تشريعية جديدة، ما لم تحمل الساعات المقبلة مفاجآت، تُمكّن رئيس حكومة  إسرائيل ، بنيامين نتنياهو، من تشكيل حكومته الخامسة. قانون حلّ الكنيست الجديد، الذي أُقرّ بالتصويت الأول، لا يصبح نافذاً إلا بعد قراءتين إضافيين، وهو ما يُمكن أن يؤجَّل إلى الدقيقة الأخيرة من المهلة القانونية لعرض الائتلاف الحكومي أمام الكنيست. مع ذلك، تشير المعطيات إلى انتخابات جديدة قد تكون الأولى من نوعها، لجهة أنها تأتي بعد الانتخابات مباشرة، وبعد فشل المُكلَّف تشكيلَها في التوصل إلى توليفة ائتلاف كانت هي التي طلبت تكليفه.

يسابق بنيامين نتنياهو الوقت لتقديم تشكيلته الحكومية قبل نفاد المهلة القانونية المعطاة له، والمنتظر عند منتصف ليل الأربعاء ــــ الخميس. وهو، إذ يتلافى خيارات عديدة بإمكانها حلحلة العقد الحائلة دون أن يبصر الائتلاف النور لحسابات متعلقة بشخصه، يحاول تصعيد الضغوط إلى أقصاها عبر التلويح بالانتخابات المبكرة، التي صادقت لجنة برلمانية خاصة أمس على مشروع القانون المتعلق بها بالقراءتين الثانية والثالثة، تمهيداً للتصويت عليه اليوم داخل الكنيست. إزاء ذلك، يبدو أن ثمة سيناريو يين أساسيين: إما أن ينجح نتنياهو في ترويض شركائه خلال ربع الساعة الأخير، وإما أن ينفتح الباب على انتخابات جديدة يبدو واضحاً أنها ستكون مختلفة عمّا سبقها أخيراً.

في حالتين متشابهتين في الماضي، فشل المُكلَّف في تشكيل الحكومة، فتحوّل التكليف إلى غيره، أو تقرّر تقديم موعد الانتخابات. حصل ذلك مع شمعون بيريز (حزب العمل) عام 1990، فآلت في حينه إلى إسحاق شامير (الليكود)، وفي الحالة الثانية مع تسيبي ليفني التي فشلت عام 2008 في تشكيل الحكومة بعد استقالة إيهود أولمرت بسبب الفشل الإسرائيلي في الحرب على «حزب الله» عام 2006. لكن في الحالتين، لم يكن فشل التكليف بعد إجراء الانتخابات مباشرة.

وإذا فشل نتنياهو فعلاً في تشكيل الائتلاف، فإن اللا يقين سيكون سيد الموقف إلى حين إجراء الانتخابات الجديدة التي يبدو أنها ستكون في أيلول/ سبتمبر المقبل. لكن مع ذلك، تمكن الإشارة إلى جملة توقعات بشأنها.

يحيط مسعى نتنياهو إلى تحصين نفسه عبر سنّ قانون الحصانة من الملاحقة القضائية لأعضاء الكنيست، عدم يقين وتشكيك، ربطاً بانتخابات من غير المعلوم نتائجها، والقدرة التي ستكون لدى نتنياهو نفسه من بعدها على فرض إرادته على الأحزاب التي يمكن أن تأتلف معه إن فاز «الليكود». وهذا المعطى سيكون حاسماً لنتنياهو، خاصة أن نتيجة الانتخابات ستكون قريبة من استجوابه الرسمي على خلفية تهمّ الرشى والفساد، وربما أيضاً اتهامه.

 

من ناحية ثانية، لن تُخاض الانتخابات المقبلة، على الأرجح، كما خيضت الأخيرة، بمعنى أن المتنافسين على مقاعد الكنيست لن يكونوا بالتشكيلات والتكتلات نفسها، سواء في اليمين أو الوسط أو اليسار؛ إذ إننا لسنا أمام إعادة انتخابات، بل انتخابات جديدة قد تشهد أفول أحزاب خاضت الانتخابات السابقة، وتشكيل أحزاب جديدة تخوض المقبلة، مع عدد من الشخصيات التي تقرر خوض السباق. والفروق كبيرة بين الحالتين. ومن الآن، بدأت إشارات التغيير تَرِد. فالشخصية الثانية في حزب «أزرق ــ أبيض»، يائير لابيد، يرفض الإجابة عمّا إذا كان حزبه «يش عتيد» سيبقى في ائتلاف مع رئيس الحزب بني غانتس، ويربط ذلك بالتفاوض الذي سيجري في حينه بين الجانبين، فيما الحزب الثالث في «أزرق أبيض»، وهو حزب «تيليم» لموشيه يعلون، قد يجد مصلحة في أن يأتلف مع حزب يميني يتوافق معه أكثر. في الصراعات على الناخب اليميني، قد تكون المنافسة أشد، خاصة مع توقع عودة رئيس حزب «البيت اليهودي» السابق، نفتالي بينت، إلى المنافسة، بعد فشله في الانتخابات الأخيرة بعيداً عن حزبه، الأمر الذي سيؤدي إلى انقسام أكبر ــــ ربما ــــ مما حدث سابقاً، وإن كانت المصلحة اليمينية تبقى في الاتحاد ما بين مكونات اليمين.

الخاسر الأكبر، إن تجاوزت إسرائيل منتصف هذه الليلة من دون تشكيل حكومة، سيكون بنيامين نتنياهو الذي سيواجه لا يقيناً حول مصيره السياسي في حدٍّ أدنى، مع اقتراب تحريك ملفاته القضائية، فيما الرابح الأكبر كما يبدو من الآن، وإن كان من المبكر الإشارة إلى ذلك، هو أفيغدور ليبرمان؛ إذ أشار استطلاع للرأي إلى أنه سيحصل على تسعة مقاعد في الكنيست المقبل إن خيضت الانتخابات الآن، ما يعني أن عناد ليبرمان جلب لحزبه فائدة، ستكون ــــ في حال تحققها ــــ على حساب أحزاب يمينية أخرى قد تبتعد عن المشهد السياسي في إسرائيل.

في التوقعات، من المرجح أن يؤثر الفشل في تشكيل الحكومة الإسرائيلية، إن حصل بالفعل، بـ «صفقة القرن» المقرر إطلاق خطواتها الأولى في حزيران/ يونيو المقبل في البحرين. وإن كان الوضع الإسرائيلي لا يلغي هذه الفاعلية على الأرجح، لكنه يؤثر فيها وفي ما هو مرتقب بعدها في إسرائيل والولايات المتحدة، خاصة أنها ستتحول إلى مادة سجالية على الخلفية الانتخابية في إسرائيل، وسيرتفع الصوت رفضاً لها، لأن اليمين الإسرائيلي وصل إلى حدّ رفض حتى ما يتعلق بالشكليات تجاه الفلسطينيين، ما يعني الابتعاد عن استراتيجية انتظار الرفض الفلسطيني للتملّص من التطبيق. إلا أن أهم المعطيات التي يجب أن تكون حاضرة إزاء إسرائيل وسياساتها الخارجية، هي القدرة على اتخاذ قرارات شنّ اعتداءات، وصولاً إلى خوض مواجهات شاملة. وهي قرارات ستبقى في يد الحكومة كما كان عليه الحال سابقاً؛ إذ لا تصريف أعمال بالمعنى الحرفي للكلمة في إسرائيل.

وقد أظهرت التجاذبات التي شهدتها الساحة الإسرائيلية، حتى الآن، أن مفتاح تشكيل الحكومة هو بيد رئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان. فهو القادر على حسم هذه المسألة في هذا الاتجاه أو ذاك. وهو ما دفع الرئيس المكلّف، بنيامين نتنياهو، إلى توجيه رسالة بدت أقرب إلى التوسل من أجل تليين موقفه المتصل بتجنيد «الحريديم». ويعود ذلك، كما بات واضحاً، إلى كون الأصوات الخمسة التي يملكها ليبرمان هي الأصوات المُرجِّحة في معادلة موازين القوى داخل الكنيست. مع ذلك، تبقى صورة المشهد السياسي في إسرائيل غير مكتملة، من دون عرض الخيارات البديلة أمام نتنياهو والأسباب الحقيقية التي تقف وراء امتناعه حتى الآن عن تبنيها.

بحسب قانون «الأساس الإسرائيلي  »  يفترض أن على نتنياهو، بعد إنهاء مدته القانونية ليل الأربعاء ـــ الخميس، أن يتنحّى (في حال فشله في تشكيل الحكومة)، ثم يبادر رئيس الدولة رؤوفين ريفلين إلى إجراء مشاورات نيابية لتسمية عضو كنيست آخر يقوم بمهمة تشكيل الحكومة. في حال نجاح المكلّف الجديد في مهمّته، تكون إسرائيل أمام تداول جديد في السلطة، وهو ما سبق أن تكرّر طوال تاريخها. أما إذا فَشِل، فيمكن 61 عضو كنيست إعادة تسمية نتنياهو مجدداً، وإلا تتجه الأمور نحو انتخابات مبكرة. لكن نتنياهو يبذل كل جهوده بهدف منع هذا المسار القانوني، على قاعدة إما أن يكون هو رئيس الحكومة أو لا أحد. ومن أجل ذلك، طرح اقتراح قانون حلّ الكنيست بهدف إعادة الانتخابات، على رغم أنه لم تمرّ 8 أسابيع على إجرائها. وهو يهدف، من وراء هذه الدعوة، إلى قطع الطريق على رئيس الدولة لتسمية شخصية أخرى بديلة منه لتشكيل الحكومة.

في السياق نفسه، يمكن نتنياهو أن يتنحى عن مهمة تشكيل الحكومة لمصلحة شخصية أخرى داخل حزب «الليكود»، انطلاقاً من أن القانون لا يفرض أن يكون المكلف تشكيل الحكومة رئيساً للحزب. وهكذا، يمكن «الليكود» أن يحافظ على موقعه كحزب حاكم (بمعنى من المعاني)، ولكن ليس عبر شخص رئيسه. وفي هذه الحالة، تزول العقبة أمام انضمام كتلة «أزرق أبيض» إلى الائتلاف، ويتم تشكيل حكومة وحدة وطنية.

من أبرز نتائج هذا المسار، اتساع القاعدة النيابية للحكومة، وسلب الأحزاب «الحريدية» ورقة الابتزاز التي تملكها، خاصة أنه يمكن حزبَي «الليكود» و«أزرق أبيض» أن يوفرا وحدهما أغلبية 70 عضو كنيست، من دون احتساب الأحزاب الأخرى التي يمكن أن تنضم أيضاً إلى هذه الحكومة. لكن نتنياهو يستبعد هذا المسار ــــ على رغم أن مصلحة حزبه تكمن فيه ــــ على قاعدة إما أن يحكم حزبُ «الليكود» من خلاله أو لا أحد، لذلك يقاتل بكل السبل لمنع تولّي شخصية أخرى، وهو يرى أن تصدّي أيٍّ كان لهذه المهمة سيكون بمثابة خيانة عظمى، ومؤامرة تستهدفه وتستهدف معسكر اليمين. واللافت أن أحداً من داخل «الليكود» لم يرفع إلى الآن الصوت ضده، الأمر الذي يعكس مستوى سيطرته داخل «الليكود»، وخشية الكثيرين من النتائج التي يمكن أن تترتب عن أي خطوة ينتهجونها.

أيضاً، ثمة خيار بديل يتجنّبه نتنياهو من شأنه أن يحلّ كل المشكلة، وهو تنفيذ مطلب ليبرمان عبر طرح قانون تجنيد «الحريديم» في الكنيست، حيث من المؤكد أنه سينال أغلبية كبيرة، خاصة أن أكثرية المعارضة الإسرائيلية تؤيده، من أجل إلزام «الحريديم» بالتجنّد في الجيش. وعندها، ينضمّ ليبرمان إلى الحكومة، وتصبح الأحزاب «الحريدية» أمام خيارين: إما الانضمام إلى الحكومة برئاسة نتنياهو نفسه من موقع التسليم بالقانون الذي صدّق عليه الكنيست، أو الامتناع عن ذلك. وفي هذه الحالة، يُبحَث عن شركاء آخرين من المعارضة، وتبرز من جديد أيضاً إمكانية تشكيل حكومة «وحدة وطنية». لكن الثمن الذي سيدفعه نتنياهو في هذا المسار، أنه سيخسر تأييد الأحزاب «الحريدية» التي يضمن تأييدها في الكثير من الخطوات القانونية والسياسية مقابل رشوة هنا وهناك.

وهكذا، يتضح أن المنشأ الحقيقي لتعثّر تشكيل الحكومة هو بالدرجة الأولى «شخصانية» نتنياهو، وحرصه على تحصين نفسه قانونياً لمنع محاكمته، تجنّباً لإنهاء حياته السياسية وزجّه في السجن.

 

التعليقات على خبر: إسرائيل على مفترق طرق بفعل تعقيدات النظام السياسي

حمل التطبيق الأن